بدأ الأمر كله بشكل ضربة خفيفة بالطاولة فيما كنت في رحلة عمل إلى تركيا عام 2014. كان كل شيء في المكان ضخماً جداً وكانت الطاولات مرتفعة جداً فاصطدمت بإحدى الزوايا فيما كنت أسير من قربها. لم أفكّر كثيراً في الأمر آنذاك وتجاهلته أربعة أو خمسة أشهر إلى حين عودتي إلى لبنان. كانت هناك كتلة متورّمة مرئية بوضوح.
حتى بدون إجراء خزعة أو التصوير الشعاعي للثدي أو تخطيط الصدى، قال لي الطبيب إنه سرطان الثدي. لم أصدّقه ولكنني أجريت تخطيط الصدى والتصوير الشعاعي للثدي وفي اليوم التالي ذهبت لإجراء الخزعة.
لم يكن بوسعي انتظار صدور النتائج في لبنان، فعدت إلى دبي واتصلت بي أختي بعد بضعة أيام لتخبرني أنني مصابة بسرطان الثدي من المرحلة الثانية. صُدمت ورفضت تصديقها. بعدما فقدت أمي بسبب سرطان الثدي، لم أصدق أنّ هذا يحدث لي.
فزرت سبعة اختصاصيي أورام للاطّلاع على آرائهم واستشاراتهم بشأن ما يجب أن أفعله. بعد رؤية ما عانته أمي، أردت فقط الخضوع لجراحة واحدة وجولة واحدة من العلاج الكيميائي. لم أكن أريد أن أتعذّب إذ في الأعوام السابقة، عانت أمي الكثير مع الأطبّاء وخضعت إلى أكثر من 4-5 جراحات. لم تكن التكنولوجيا متطوّرة آنذاك فخضعت إلى العلاج الكيميائي في الولايات المتحدة الأميركية ورحلت بعد أربع جلسات لأنها افتقدت أولادها. توفيت أمي عن عمر 45 سنة. تمّ تشخيص إصابتها عندما كانت في الـ29 وعانت طوال تلك الأعوام.
أما أنا فتابعت علاجي كله في لبنان. اضطررت إلى الخضوع إلى جراحتين ثم ثماني جلسات من العلاج الكيميائي و18 حقنة أخرى كل ثلاثة أسابيع. كان الأمر كله مروعاً ولكنني فخورة جداً بنفسي لأنني هزمت السرطان وتخطّيته. كان السرطان بمثابة وحش بالنسبة لي ولم أكن سأدعه يهزمني.
كان السفر بعد العلاج الكيميائي مروعاً إذ كنت أتعافى وحدي هنا في شقتي بدون أصدقائي ولا أهلي ولا إخوتي، بدون أي دعم معنوي. كان ذلك أصعب أمر بالنسبة لي. صُدمت كثيراً عندما تساقط شعري لأنّ الطبيب قال إنني لن أفقده بعدما استخدمنا قبعة تبريد تجمّد رأسي بحيث لا يتأثر بالعلاج الكيميائي. بالرغم من ذلك، بعد الجلسة الثالثة من العلاج الكيميائي، فقدت كلّ شعري.
ولكنني فخورة، فخورة بندوبي وكنت فخورة جداً برأسي الأصلع. كنت أذهب إلى البحر والسوق وأنزع شعري المستعار لأنه كان مزعجاً في الحرّ.
الآن تعافيت تماماً ونما شعري مجدداً وأستمتع بالحياة من جديد. أحب الرقص جداً وكنت أتعلّم الرقص الأفريقي لأنني أحب هذا النوع من الموسيقى والإيقاع، ولأنه عليك أن تبتسم طوال الوقت. كما رحت أتواصل مع مريضات أخريات وأرافقهن إلى المواعيد لمساعدتهن على تخطّي الأمر. أود تكريس نفسي لهؤلاء النساء لأنني أدرك كم من المخيف خوض هذا.
كنت أعتبر حادثتي أمراً سلبياً وكنت أتمنى لو أنني لم أرتطم بالطاولة في ذلك اليوم. في البداية، اختبرت مرحلة من النكران حيث رفضت أن أقبل أنني مصابة بالسرطان. رحت أتساءل: "لماذا أنا؟" خلته كيساً لأنني لم أشعر بالألم واستغرق الأمر خمسة أشهر من التأجيل قبل الخضوع إلى المعاينة. ولكنني الآن أشعر بالامتنان إذ لكان الوضع أسوأ بكثير لولا اكتشاف السرطان بفضل حادثتي.
أحثّ كل امرأة على الحرص على الخضوع إلى الفحوص الدورية. كنت في الثلاثين حين تم تشخيص إصابتي، إذاً العمر لا يضمن ألاّ تكوني معرّضة للإصابة.