غدير كونا - محاربات بروح وردية | فورد الكويت
غدير كونا
49 ناجية من سرطان الثدي في المرحلة الثالثة المسمّى الوظيفي: مستشار سياسة واستراتيجية للقطاعات الحكومية وغير الربحية سودانية أمريكية
تقول اختصاصية السياسات والاستراتيجيات غدير كونا إنه لم يكن لديها سبب لتظن أنها معرّضة للإصابة بسرطان الثدي. لم يكن هناك تاريخ عائلي من المرض وكان التفكير السائد في أواخر التسعينات أنّ النساء المعرّضات هن فقط أولئك في الأربعينات وما فوق. ولكن رغم أنّ غدير كانت تعتمد أسلوب حياة نشيطاً ونظاماً غذائياً صحياً ولم تدخّن أو تشرب الكحول قط، أصيبت بشكل عدوانيّ جداً من أشكال سرطان الثدي الذي استفحل بوتيرة مرعبة. ولكن تمّ كشفه ومعالجته عام 2013 وأصبح جسمها خالياً من الخلايا السرطانية منذ خمسة أعوام.
بدأت محنتي عندما كنت في سن الـ 29. بدا الأمر جنونياً آنذاك. كنت أعيش في كاليفورنيا قرب بيركلي وكنت أهوى الأطعمة العضوية قبل أن تشتهر وتصبح على لسان الجميع. كما كنت نحيفة ونشيطة جداً.
ما من تاريخ عائلي بالإصابة بسرطان الثدي وبالتالي لم يكن لدي سبب يدفعني للشك في أي أمر. آنذاك، في أواخر تسعينات القرن العشرين، لم يكن الناس يتحدّثون كثيراً عن سرطان الثدي. كان يبدو كأمراً نادراً جداً ولا يصيب إلاّ الآخرين، وحتماً لا يصيب امرأة تتبضّع من سوق المزارعين وتمارس التمارين الرياضية خمس مرات في الأسبوع ولا تدخّن ولا تشرب الكحول وما زالت في الـ 29 من عمرها.
كان طبيب الصحة العامة صديقاً عزيزاً وكنت أعلم أنه ذاهب للتخييم خلال عطلة نهاية الأسبوع. لم أتصل به على هاتفه الجوّال من قبل وبالتالي عندما اتصلت علم أنّ هناك أمراً ما. ردّ على المكالمة عند الرنين الثاني وقال: "ما الأمر؟"
حاولت تلطيف المسألة وقلت له إنني أردت حجز موعد لحين عودته لأنني وجدت كتلة. سمعت صرير معدن ثم قال: "سأراك في العيادة بعد ساعتين".
باشر الطبيب بالفحص اليدوي واكتشف كتل متعددة في كلا الثديين. قمنا بفحص الثدي بالأشعة وباستئصال نسيج من الكتلة. اتّضح أنّ الكتلة حميدة ولكنني ظللت أشعر بأنّ هناك خطباً ما فاعتمدنا خطة أقوم بموجبها بإجراء تخطيط الصدى كل أربعة أشهر والتصوير الشعاعي للثدي كل سنة. واستمرّيت على هذا المنوال حتى عام 2006، حين أتيت إلى الإمارات العربية المتحدة، وحتى عام 2010 حين بدأت الأمور تتغيّر فجأةً. وقالت لي الطبيبة إنّ طفرة حدثت في الخلايا وإنهم لا يعرفون ما السبب.
فاستأصلتها ولكن ظلت هذه التغيرات تحصل وفي يونيو 2012، اتّخذت الأمور منحىً نحو الأسوأ بسبب نزيف كثيف ظننا أنه الدورة الشهرية. مع بداية الطفرات، قمنا بإضافة التصوير بالرنين المغناطيسي السنوي للمراقبة دقيقة.
لم يكن الأطبّاء واثقين ما الخطب بالتحديد ولكن بحلول الأسبوع الأول من يناير 2013، أصبحت الصورة أوضح بكثير. قيل لي إنني مصابة بشكل عدوانيّ جداً من أشكال سرطان الثدي الذي كان قد انتشر إلى العقدة الليمفاوية اليمنى وكان يجب البدء بالعلاج الكيميائي فوراً.
السماع بأنني مصابة بسرطان الثدي صدمة بحدّ ذاتها ولكن آخر ما أردت سماعه هو أنه من النوع العدوانيّ. إذا كانت هذه هدية إضافية فشكراً، أنا بغنى عنها.
شرحت لي طبيبتي التشخيص صفحةً صفحة. كنت طالبة في الطب التمهيدي قبل انتقالي إلى التخصص في إدارة الأعمال وكانت طبيبتي تعلم أنني أفهم الكثير من الألفاظ الطبية. فأعطتني التقرير المؤلّف من أربع صفحات وفيما كانت تقرأه رحت أتابعها. لم أفهم أي كلمة، بدا كل شيء مشوشاً. حتى إنني لم أفهم الأحرف، بدت وكأنها باللغة الصينية. راجعناه مجدداً فبدأت الأمور كلها تتّضح.
بدأت جلسات العلاج الكيميائي ذاك اليوم واتّفقت مع طبيبتي على ألاّ تخبرني كم جلسة هناك. كنت أعلم أنه علي النضال ولم يكن يهمني كم مرة علي الذهاب للحصول على هذا العلاج. قلت لهم إنني لا أريد أن أعرف حتى الجلسة ما قبل الأخيرة. كان علي أن أنجو وأكافح كل يوم بيومه.
كان العلاج الكيميائي الذي خضعت إليه من النوع المؤلم جداً. صحيح أنه أنقذ حياتي وأنا ممتنة على ذلك ولكنه تسبب لي بأشدّ الآلام في حياتي. لا يمكنك أن تتحرّك وتحترق فيما تقبع جالساً هناك. تشعر وكأنّ الحمم تسري في عروقك وكل ما يمكنك فعله هو الجلوس والتحمّل.
في طريق العودة إلى المنزل، رحت أفكّر كيف سأتخطّى هذا الأمر. قرّرت أنّ الكرة في ملعبي ولن أدع السرطان يهزمني. كانت هناك أموراً لا يمكنني تغييرها ولكن بعض الأمور كانت تحت سيطرتي، مثل شعري. لم أكن سأدعه يتساقط ببساطة، ففضّلت أن أحلقه.
الأيام الثلاثة الأولى التالية لجلسة العلاج الكيميائي هي الأسوأ. كنت واهنة جداً لأتولّى الأمور وكنت أحياناً عاجزة عن الذهاب إلى العمل أيام الأحد أو الاثنين. كان يغمى علي في المكتب ولكن كان علي مواصلة النضال.
اخترت إجراء استئصال كلا الثديين في سبتمبر لأن الثدي الأيسر بدأ يظهر نفس العلامات التي أظهرها الثدي الأيمن. استجاب جسمي للعلاج الكيميائي جيداً ونجحت العملية الجراحية.
من آثار العلاج الكيميائي غير المتوقّعة فقدان حاستَي الذوق والشمّ وقد فقدتهما طيلة تسعة أشهر. كنت أشجّع نفسي على تناول الطعام رغم أنني لم أكن أشمّ رائحته أو أشعر بمذاقه كما ينبغي. كنت أذكّر نفسي بمذاق الطعام وكنت أرغم نفسي على أكل الكميات المطلوبة فحسب لأنّ جسمي كان بحاجة إلى ذلك.
أول شيء أتذكّر أنني شممت رائحته كان الماء. أتعلمون أنّ للماء أعذب الروائح؟ سكبت كوباً من الماء وجلبته إلى فمي وتنشّقته فحسب إذ شممت رائحة عذبة. لم أصدق ذلك، كان أمراً مذهلاً.
أظن أنّ العديد من النساء يقاومن إجراء الاختبارات، لا خوفاً من التشخيص بل خوفاً من عواقب المرض. لا نتحدث عن هذا بقدر ما يجب؛ كم زواجاً انتهى بسبب هذا، كم زوجاً ارتكب الخيانة لأنه لا يتحمّل التغييرات التي اختبرتها زوجته. وذلك في مختلف الثقافات والبلدان. لهذا السبب ترفض بعض النساء التحدث علناً عن كونهن ناجيات إذ ثمة وصمة عار مرتبطة بذلك، يخشين ألاّ يختارهن شريك آخر أو أن يتم نبذهن في المجتمع.
إذا راجعتم الإحصاءات فسترون أنّ العديد من الأشخاص يصابون بانتكاسة لأسباب نفسية. يتطلّب هذا المرض الكفاح الإيجابي طوال الوقت. من الصعب هزمه وعلينا مساعدة الناس للعودة إلى نمط الحياة الطبيعي بسهولة بدون أن يشعروا أنهم منبوذون على أي مستوى، أكان مهنياً أو شخصياً أو على مستوى الأصدقاء. لا يتحلّى الجميع بالقوة.
حين ترى النساء أنّ الأخريات يعانين تلك الدراما كلها، فما الرسالة التي نوصلها لتشجيعهن على إجراء الفحوصات؟ فهن لا يرون أنّ النساء يلقين الترحيب بسهولة بعد عودتهن إلى المجتمع.
أنا الآن في مرحلة الهَدأة من السرطان منذ خمسة أعوام وأشعر بالامتنان لأنني اختبرته إذ جعلني أركّز على الأمور المهمّة في الحياة وعلى مساعدة الآخرين. ثمة أمور كنت أخالها مهمة جداً في الـ 43 أصبحت تافهة الآن. جعلتني هذه المحنة أفهم حقاً جمال الحياة بطريقة بسيطة جداً. لم يعد جمال الحياة يرتبط بالأمور الكبيرة بالنسبة لي.
والأهم من ذلك كله، لقد جعلني السرطان أدرك أن القوة الداخلية هي أفضل مصدر للثقة والسلطة.